وعلاوة على الصراع السياسي المرتبط بالعبودية، يتم توظيف الدين في سياق
هذا الملف كما يشير حسن أمبارك، وهو ناشط حقوقي ينتمي ايضا لفئة
"الحراطين". ويقول "إن هناك كتبا فقهية تستخدم لتبرير وتكريس العبودية، وتبيح أعراض المسلمين والمسلمات ممن كانوا عبيدا. وعلى الرغم من ارتفاع أصوات من ينددون بهذه الكتب ويطالبون بحظر تدريسها، إلا أن القانون الذي
صدر لمكافحة الكراهية ينص على أن من يدعو لمخالفة المذهب المالكي يتعرض للعقاب". والمقصود بالمذهب المالكي، كما يقول أمبارك، هو كتب بعينها ينتمي
من وضعها لهذا المذهب، وتستخدم لتبرير الوضع القائم والمحافظة عليه، خاصة وإن كل من يمارسون العبودية أو من يعانون من ويلاتها في موريتانيا هم من
المسلمين.
ومن ثم، يمكن القول أنه بسبب الحاجة لعمالة رخيصة، خاصة في المناطق
الريفية، وهي عمالة تعتمد أساسا على من كانوا عبيدا أو من كان آباؤهم
عبيدا، وبسبب استمرار هذا الوضع منذ عقود طويلة تعود لعهد الإستعمار
الفرنسي، الذي لم يغير علاقات العمل حرصا على مصالحه الاقتصادية، وبسب وجود
ثقافة مستقرة في المجتمع لعقود طويلة تقوم على وجود سادة وعبيد، علاوة على
توظيف الدين لتبرير وتكريس العبودية اعتمادا على فتاوى قد يجدها كثيرون
غريبة وغير مقبولة، كانت النتيجة أن بقيت أغلبية من ينتمون لفئة "الحراطين" تعيش حياة بائسة قاسية، وتعاني من الفقر والتهميش، وتمارس أعمالا شاقة
مقابل أجور زهيدة، وتواجه التعالي والاستكبار من جانب بعض من ينتمون
لمجموعات عرقية أخرى. ويبدو هذا واضحا في قطاعات معينة مثل التعليم، إذ أن
أغلب تلاميذ المدارس الحكومية التي تقدم تعليما ضعيفا هم من أبناء "الحراطين"، بينما لا وجود لهم تقريبا في المدارس الخاصة باهظة التكلفة.
كما يغيبون ايضا عن الوظائف الهامة في الجيش والشرطة والقضاء، ولا يملكون
إلا النذر اليسير من الأصول الإنتاجية، مثل الأراضي والعقارات.
يؤكد الصحفي الموريتاني سالك زيد، اعتمادا على تحقيق استقصائي قام به، أن واقع حياة العبيد المحررين لم يتغير، حتى لو تحرروا من العبودية بمعناها
القديم التقليدي، حيث كان يتم بيع العبيد وشراؤهم في أسواق النخاسة.
الواقع أن من كان آباؤهم عبيدا، أو من كانوا عبيدا وتحرروا من الرق، لا
زالوا يعيشون في أغلال الفقر والجهل، ولازالوا يئنون تحت وطأة ضغوط المجتمع
لأنه ببساطة لم تتغير تركيبة المجتمع، ولم تتغير علاقات العمل والانتاج داخل المجتمع، ولم تتغير الثقافة السائدة به. وباختصار يمكن القول إنهم
تحرروا من الاسترقاق، إذ كان يتم توريث العبيد من الآباء للأبناء مثل أي عقار أو سلعة، لكنهم لم يتحرروا من حياة الفقر والعوز. ولعل هذا يفسر بعض
ما يروى عن رفض مجموعات ممن تعرضوا للعبودية مغادرة بيوت السادة. إذ أين يذهب شاب أو فتاة بلا منزل أو مال أو تعليم إذا قرر أن يغادر المنزل الذي ولد وعاش به؟ ومن يمكن أن يساعده على الخروج من الحلقة المفرغة للفقر
والجهل؟
وبقي جانب هام من ملف العبودية، وهو التنافس السياسي على كسب
فئة "الحراطين" في الوقت الراهن كما يوضح أحمد ولد الوديعة. إذ يؤكد
القوميون العرب على أن "الحراطين" جزء من المجتمع العربي بسبب نطقهم باللغة العربية وعاداتهم التي اكتسبوها من الحياة مع القبائل العربية لعقود طويلة. وعلى النقيض يؤكد القوميون الأفارقة على انتماء الحراطين للعرق
الأفريقي، ويرون أنهم، مع باقي الأفارقة في موريتانيا، يشكلون الأغلبية
التي يجب أن تنهي حكم الأقلية البيضاء في موريتانيا، ولعل هذا يفسر التوظيف السياسي المستمر لمشكلات "الحراطين" في المجتمع الموريتاني، سواء من
الداخل أو من الخارج.
ولعل هذا هو التحدي الأكبر الذي يواجه
المسؤولين في موريتانيا، وهو ألا يتم الاكتفاء بالقوانين التي تجرم
العبودية وتجعلها جريمة ضد الانسانية، وألا يتم الاكتفاء بتحرير العبيد من ممارسات العبودية بمعناها القديم، بل يجب أن يكون الهدف هو تحرير من كانوا
عبيدا من حياة الفقر والجهل والتهميش بحيث تكون حياتهم فعلا ملك أيديهم، لا
بأيدي الآخرين.
تمت مناقشة هذا الموضوع في حلقة خاصة من برنامج نقطة حوار
سجلت في العاصمة الموريتانية نواكشوط، وتبث على شاشة وراديو بي بي سي يوم
الأربعاء 20 فبراير/شباط في الساعة 16:06 بتوقيت جرينتش، وتعاد الخميس الساعة 1:06 والساعة 8:06 بذات التوقيت.
قصة الإمارات العربية المتحدة والبعد الإيراني الغائب
mercoledì 20 febbraio 2019
martedì 15 gennaio 2019
قصة الإمارات العربية المتحدة والبعد الإيراني الغائب
يدعو بعض المثقفين في دولة الإمارات العربية المتحدة إلى اعتماد رواية
أكثر شمولية لتاريخ الدولة. ويقول هؤلاء إن الإمارات العربية الخليجية دأبت
على التركيز على الإرث البدوي العربي، وإنها تهمل وتتجاهل في كثير من
الأحيان مساهمة الجاليات غير العربية في تطور الإمارات وبنائها، سواء كانت هذه الجاليات فارسية أم بلوشية أم افريقية أم هندية.
ففي دولة الإمارات على سبيل المثال، تتعمد الرواية المعتمدة رسميا والمعادية لإيران تجاهل أهمية الدور الذي لعبه الإيرانيون - والمواطنون الإماراتيون ذوو الأصول الإيرانية - في الحياة الثقافية والاقتصادية والفنية في البلاد.
بدون شك، كانت تغطية وسائل الاعلام العربية في الفترة الأخيرة لمسألة الهوية القومية متأثرة إلى حد بالنزعة القومية العربية والفارسية، والصراع السعودي الايراني الذي تلا الثورة الاسلامية في إيران عام 1979، إضافة الى كتابات المفكرين العرب في العصور الوسطى والانقسام السني الشيعي وانبثاق الدول القومية.
ليس هناك في الإعلام العربي إلا إشارات قليلة إلى التاريخ المشترك بين الأمتين العربية والفارسية، ولكن في وسائل التواصل الاجتماعي الإلكترونية، وخصوصا في ردود الفعل على أحداث بعينها، يمكن الكشف عن المزيد عن هذا التاريخ المشترك.
فعلى سبيل المثال، تسبب الخلاف حول الجزر الواقعة في مضيق هرمز، التي تسيطر عليها ايران وتدعي الامارات ملكيتها، في ارتفاع حاد في شدة الخطاب في تشرين الأول / أكتوبر 2017، عندما عُينت سارة الأميري ذات الأصول الإيرانية وزير دولة للعلوم المتقدمة في دولة الإمارات.
وفي محاولة واضحة للتشكيك في ولاء سارة الأميري لدولة الإمارات، ركز حساب إماراتي على تويتر على أصولها العرقية وأشار إلى إحتفاء الإعلام الإيراني بتعيينها. وجاء في تغريدة نشرت عبر ذلك الحساب: "كيف يسعنا تحرير الجزر التي تحتلها إيران وتعيين سارة الأميري وزيرة للعلوم المتقدمة؟ هل عجزت بلادنا في العثور على بديل لها من مواطنينا؟".
وكانت آراء مماثلة قد انتشرت في عام 2009 على شكل رسائل نصية تلت تعيين ثلاثة وزراء من ذوي الأصول الإيرانية منهم أنور قرقاش الذي ما زال يشغل منصب وزير الدولة للشؤون الخارجية.
يذكر أن التمييز ضد الإماراتيين من ذوي الاصول الايرانية - والذين يطلق عليهم لقب "العجم" - ما زال منتشرا على نطاق واسع في دولة الإمارات.
وشهدت دولة الإمارات مبادرات عدة تهدف إلى التصدي لهذا التمييز. فقد شجعت المنابر الإلكترونية النسوية الإماراتية المواطنين على تجاوز هذا التمييز وتزويج بناتهم للأعاجم. ولكن الضغوط الهادفة إلى التأقلم مع النظرة العامة والرسمية حول الدين والخلفية القومية ما زالت واضحة في وصف هذه المنابر للعجم على أنهم عرب سنة.
وتحتوي منابر إلكترونية أخرى على كتيبات تدل قراءها على كيفية التعرف على العجم من طريقة تحدثهم وشكلهم الخارجي، مؤكدة على أن العجم يحرصون على إخفاء أصولهم.
إن التهجم على الأصول الإيرانية المزعومة لخصم سياسي ما تعد ممارسة مألوفة في الاعلام العربي الخليجي. ففي مقابلة تلفزيونية أجريت في حزيران / يونيو 2016، أكد حاكم إمارة الشارقة، سلطان بن محمد القاسمي، على "الأصول الإيرانية" للقبيلة التي ينتمي اليها رئيس اليمن السابق علي عبدالله صالح ليس لشيء الا للتركيز على "التواصل التاريخي" لتحالف صالح مع ايران ضد دولة الإمارات.
مصدر هذا الرواية هو أحد شيوخ قبيلة القواسم التي تحكم أيضا إمارة رأس الخيمة الإماراتية. ففي الفترة الواقعة ما بين القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وبفضل تحالف هذه القبيلة مع قائد للبحرية الفارسية،تمكنت من السيطرة أيضا على ميناء بندر لينغه الواقع على البر الإيراني والذي كان يتميز بتنوع ديني ولغوي وأثني.
وكان نفوذ القواسم قد تعاظم نتيجة للنشاط التجاري المتنامي بين ضفتي الخليج. ولكن، ورغم هذا التاريخ الثري، ما زال البحث في إرث الروابط الحضارية والاقتصادية بين العرب والفرس موضوعاً محظوراً في الإعلام العربي الخليجي.
وفي الضفة الأخرى من الخليج، الضفة الإيرانية، ما زال الإعلام الإيراني الناطق بالعربية يهاجم أعداء ايران في دولة الإمارات عبر التركيز على أصولهم الفارسية وخصوصا إذا اعتمد هؤلاء خطابا عربيا مشبعا بالروح القومية.
ولكن وسائل الإعلام هذه نفسها تؤكد في الوقت ذاته على عروبة حلفاء إيران الإقليميين - الذين يصفهم الإعلام العربي الخليجي بالفرس.
تتوافق هذه التغطية الإعلامية مع الخطاب الديني السائد في إيران اليوم، والذي يقلل من أهمية الإختلافات الإثنية والعرقية. ولكن المشاعر القومية الفارسية ما زالت تلعب دوراً مهما في الخطاب الإعلامي السائد في الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
كما يعد موضوع منح الجنسية الإماراتية موضوع خلاف في الإعلام العربي الخليجي.
فالقوميون العرب يطالبون بمنح الإيرانيين العرب من سكان الأحواز والمقيمين في دولة الإمارات الجنسية الإماراتية، ويقولون بضرورة أن يمنح هؤلاء أفضلية على الإيرانيين الفرس المقيمين في البلاد. يذكر أن سكان الأحواز - أو خوزستان - يشتكون من تمييز يمارس ضدهم في إيران
ففي دولة الإمارات على سبيل المثال، تتعمد الرواية المعتمدة رسميا والمعادية لإيران تجاهل أهمية الدور الذي لعبه الإيرانيون - والمواطنون الإماراتيون ذوو الأصول الإيرانية - في الحياة الثقافية والاقتصادية والفنية في البلاد.
بدون شك، كانت تغطية وسائل الاعلام العربية في الفترة الأخيرة لمسألة الهوية القومية متأثرة إلى حد بالنزعة القومية العربية والفارسية، والصراع السعودي الايراني الذي تلا الثورة الاسلامية في إيران عام 1979، إضافة الى كتابات المفكرين العرب في العصور الوسطى والانقسام السني الشيعي وانبثاق الدول القومية.
ليس هناك في الإعلام العربي إلا إشارات قليلة إلى التاريخ المشترك بين الأمتين العربية والفارسية، ولكن في وسائل التواصل الاجتماعي الإلكترونية، وخصوصا في ردود الفعل على أحداث بعينها، يمكن الكشف عن المزيد عن هذا التاريخ المشترك.
فعلى سبيل المثال، تسبب الخلاف حول الجزر الواقعة في مضيق هرمز، التي تسيطر عليها ايران وتدعي الامارات ملكيتها، في ارتفاع حاد في شدة الخطاب في تشرين الأول / أكتوبر 2017، عندما عُينت سارة الأميري ذات الأصول الإيرانية وزير دولة للعلوم المتقدمة في دولة الإمارات.
وفي محاولة واضحة للتشكيك في ولاء سارة الأميري لدولة الإمارات، ركز حساب إماراتي على تويتر على أصولها العرقية وأشار إلى إحتفاء الإعلام الإيراني بتعيينها. وجاء في تغريدة نشرت عبر ذلك الحساب: "كيف يسعنا تحرير الجزر التي تحتلها إيران وتعيين سارة الأميري وزيرة للعلوم المتقدمة؟ هل عجزت بلادنا في العثور على بديل لها من مواطنينا؟".
وكانت آراء مماثلة قد انتشرت في عام 2009 على شكل رسائل نصية تلت تعيين ثلاثة وزراء من ذوي الأصول الإيرانية منهم أنور قرقاش الذي ما زال يشغل منصب وزير الدولة للشؤون الخارجية.
يذكر أن التمييز ضد الإماراتيين من ذوي الاصول الايرانية - والذين يطلق عليهم لقب "العجم" - ما زال منتشرا على نطاق واسع في دولة الإمارات.
وشهدت دولة الإمارات مبادرات عدة تهدف إلى التصدي لهذا التمييز. فقد شجعت المنابر الإلكترونية النسوية الإماراتية المواطنين على تجاوز هذا التمييز وتزويج بناتهم للأعاجم. ولكن الضغوط الهادفة إلى التأقلم مع النظرة العامة والرسمية حول الدين والخلفية القومية ما زالت واضحة في وصف هذه المنابر للعجم على أنهم عرب سنة.
وتحتوي منابر إلكترونية أخرى على كتيبات تدل قراءها على كيفية التعرف على العجم من طريقة تحدثهم وشكلهم الخارجي، مؤكدة على أن العجم يحرصون على إخفاء أصولهم.
إن التهجم على الأصول الإيرانية المزعومة لخصم سياسي ما تعد ممارسة مألوفة في الاعلام العربي الخليجي. ففي مقابلة تلفزيونية أجريت في حزيران / يونيو 2016، أكد حاكم إمارة الشارقة، سلطان بن محمد القاسمي، على "الأصول الإيرانية" للقبيلة التي ينتمي اليها رئيس اليمن السابق علي عبدالله صالح ليس لشيء الا للتركيز على "التواصل التاريخي" لتحالف صالح مع ايران ضد دولة الإمارات.
مصدر هذا الرواية هو أحد شيوخ قبيلة القواسم التي تحكم أيضا إمارة رأس الخيمة الإماراتية. ففي الفترة الواقعة ما بين القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وبفضل تحالف هذه القبيلة مع قائد للبحرية الفارسية،تمكنت من السيطرة أيضا على ميناء بندر لينغه الواقع على البر الإيراني والذي كان يتميز بتنوع ديني ولغوي وأثني.
وكان نفوذ القواسم قد تعاظم نتيجة للنشاط التجاري المتنامي بين ضفتي الخليج. ولكن، ورغم هذا التاريخ الثري، ما زال البحث في إرث الروابط الحضارية والاقتصادية بين العرب والفرس موضوعاً محظوراً في الإعلام العربي الخليجي.
وفي الضفة الأخرى من الخليج، الضفة الإيرانية، ما زال الإعلام الإيراني الناطق بالعربية يهاجم أعداء ايران في دولة الإمارات عبر التركيز على أصولهم الفارسية وخصوصا إذا اعتمد هؤلاء خطابا عربيا مشبعا بالروح القومية.
ولكن وسائل الإعلام هذه نفسها تؤكد في الوقت ذاته على عروبة حلفاء إيران الإقليميين - الذين يصفهم الإعلام العربي الخليجي بالفرس.
تتوافق هذه التغطية الإعلامية مع الخطاب الديني السائد في إيران اليوم، والذي يقلل من أهمية الإختلافات الإثنية والعرقية. ولكن المشاعر القومية الفارسية ما زالت تلعب دوراً مهما في الخطاب الإعلامي السائد في الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
كما يعد موضوع منح الجنسية الإماراتية موضوع خلاف في الإعلام العربي الخليجي.
فالقوميون العرب يطالبون بمنح الإيرانيين العرب من سكان الأحواز والمقيمين في دولة الإمارات الجنسية الإماراتية، ويقولون بضرورة أن يمنح هؤلاء أفضلية على الإيرانيين الفرس المقيمين في البلاد. يذكر أن سكان الأحواز - أو خوزستان - يشتكون من تمييز يمارس ضدهم في إيران
Iscriviti a:
Commenti (Atom)